الخطبة

يختلف الخطباء اختلافاً واسعاً في مقدرتهم الخطابية وهذا أمر طبيعي في الخطابة وغيرها حيث إن لكل مقدرته وكفايته الخاصة ولكن كثيرا ما تجد شخصا قليل الميزات الكلامية يؤثر في سامعيه ويفيدهم أكثر ممن هو أكثر مقدرة و أفصح لسانا ويرجع ذلك إلى عوامل كثيرة أهمها الإعداد الجيد بمعنى التحضير لمراحل الخطبة



1- التحضير الجيد:



التحضير الجيد ينتج خطبة جيدة والتحضير الضعيف ينتج خطبة ضعيفة:



كيف لا وقد أعلنها سبحانه وتعالى أكثر من مرة في قرانه (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ) ( البقرة - 195 )( إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف : 30)



ورغب نبينا صلي الله عليه وسلم بقوله ( إن الله كتب الإحسان علي كل شيء ) والإحسان من الإتقان فبقدر الجهد الذي تبذله في التحضير يكون إحسانك وهو دليل علي صدقك في الاستعانة بالله والتوكل عليه أما أن تنتظر ليوم الخطبة وتجمع ورقة من هنا وكلمة من هناك معتمدا علي خبراتك السابقة ثم تنسي هذه ولا تتذكر تلك وتقول الله الموفق واستعنت بالله فأظنها كذبة كبيرة علي نفسك وعلي جمهورك وأظن إن كلمة الحسن البصري تصلح هنا حين قال (إن قوماً قالوا نحسن الظن بالله كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ) فمعني الاستعانة بالله : احسان الإعداد والعمل ولا تنسي الدعاء والوضوء والحرص علي أوقات الصلاة .



مهما تكن مقدرتك علي التحدث ، فلا بد من الإعداد الجيد



ومراحل التحضير هي :-



1- تحديد الموضوع 2- جمع المعلومات



3- التخطيط والعناصر 4- الحفظ والإلقاء



أولا – تحديد الموضوع



بقدر احترامك مستمعيك يحترمونك



1- لاشك أن موضوع الخطبة هو الهدف المراد منها وهو الغرض المقصود إيضاحه من الخطيب وهو الفكرة المراد إيصالها من الداعية إلي المدعوين فلابد من تحديد هدف الخطبة ولابد أن يسأل نفسه ماذا يريد أن يحقق من أهداف مثل هل يريد أن يصحح أفكارا خاطئة أم يوجههم لتبني عادات إسلامية حسنة أم يريد أن يقنعهم بالمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية أم يريد بث روح الجهاد أم يريد إحياء مناسبة إسلامية وربطها بالواقع. فتحديد أهداف الخطبة شي في غاية الأهمية وعلي ضوء تحديد الهدف يستطيع أن يختار الموضوع الذي يتحدث فيه ولابد أن يتضمن هذا الهدف جوانب توظيفية يتحرك بها الجمهور بعد انتهاء الخطبة فهناك موضوعات تمس حياة الناس وحاضرهم وهم لذلك يهتمون بها ويتشوقون لسماعها وشرح جزئياتها بينما هناك أخري لا تعنيهم و لا تشغلهم فقد يثور الخطيب وينفعل في شرح موضوع ما ومستمعوه يودون أن يفرغ من كلامه وهم أثناء خطابته لا يتابعونه ولا يعنيهم أن يفهموا عنه أو لا يفهموا ،إذا تحدث خطيب مسجد عن موقف الإسلام من الرق وحكمه وأثاره أو عن الخوارج وخطرهم وتحدث خطيب أخر عن ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وما يترتب علية من آثار في مجتمعنا أو العدل وأهميته أو الحرية وضرورتها تجد الناس يستمعون إلى الأول كمن يعرض شيئا من التاريخ البعيد بينما يصغون إلى الثاني كمن يطب لا إمراضهم ويرتفع بمستوى حياتهم ومثل هذه الموضوعات تجعله أقرب إلي قلوب الناس وأملك لزمام انتباههم وعواطفهم



2- أن يلاحظ الأحداث المعاصرة والوقائع الجارية ، وكذلك المناسبات الإسلامية ويحاول توظيفها واستخراج الدروس والعبر منها وربطها بالواقع فلا تجعل الموضوع يعرض نفسه عليك فتهرب منه أو تقعد عن الاستجابة له ومعني هذا أن الداعية يختار موضوعه مما يعرض له من قضايا الحياة أو مما تمليه الحياة عليه .



اختيار الحياة هو أصدق اختيار ولأمر ما – نزل القران الكريم منجما علي حسب الحوادث ومقتضيات الأحوال 0 لذلك يجب أن يختار الموضوع من صميم ما تجري به الحياة وهذا يقتضي من الداعية أن يكون متصلا بهذه الدنيا منفعلا بما يجري فيها من خير وشر وحلو ومر ومعروف ومنكر000 فما كان من صالح رضي به وحمد الله عليه وحبب فيه ودعا إليه 0 وما كان من فاسد قام له وأخذ في علاجه وتغييره بوسائله الحكيمة وموعظته الحسنة 0



3- أن يكون الموضوع بعيدا عن إثارة الخلافات بين المسلمين ، فالداعية مجمع لا مفرق ، وموحد لا مشتت ، سواء كانت فقهية أوسياسية ونربأ بك من استغلال المنبر لتحقيق مصلحة شخصية أوعائلية أو الترويج لشخص أو حزب لا يرفع راية الإسلام.



4- أن يكون الموضوع مناسبا لأحوال المستمعين وبيئتهم ، مراعيا المشكلات التي تشغلهم ومناسبا لمستوي عقولهم فطبيعي أن الموضوعات التي يوحيها محيط الزراع غير التي يوحيها محيط العمال وللطلاب آلام وآمال تلهم موضوعات غير السابقة ولصغار الموظفين مشكلات وأزمات نفسية ومالية لا يتبينها إلا من يصغي إلي شكواهم ويقف علي أحوالهم وفي علاقات الناس بعضهم ببعض وفي المعاملات بين الطوائف المختلفة وفي اختلال الموازين بالمجتمع وأمراضه المختلفة وأزماته المتعددة وهل لها حل غير الإسلام و في حال هذه الأمة الإسلامية وجروحها النازفة والغائرة وفي كيفية نهوض وبعث هذه الأمة من جديد وصفات جيل النصر المنشود كلها موضوعات تفرض نفسها0



حكي أحد الدعاة أنه دُعي إلي دولة افريقية للحديث في أحد القبائل المسلمة وكان الموضوع المطلوب منه والذي أعده هو دور المسلم والمسلمة في انتشار الإسلام وعندما دخل رأي النساء في ملابسهن الإفريقية التي تغطي حتى الوسط وتترك باقي الصدر عاريا ورأي الاختلاط العجيب بين النساء والرجال فغير موضوعه إلي ما هو الاسلام0



فيجب مراعاة احتياجات المستمعين روي البيهقي في الشعب عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم بما يغرب عليهم أو يدق عليهم) ويقول ابن مسعود – رضي الله عنه – (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) وكان من فقه علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أن يحذر الدعاة يقول (حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله) رواه البخاري ح(127)



0 يقول ابن القيم (يلزم الفقيه أن يعرف الواجب والواقع ليحسن تطبيق الواجب علي الواقع)



5- اختيار موضوع الخطبة من الأمور الهامة و الشاقة إذ ليس كل موضوع يهم الناس يسهل أن يتعرض له الخطيب ولكن الخطيب الماهر اللبق يمكن أن يواجه الموضوع الخطر أو المحظور من جوانب خلفية تثير الناس وتجعلهم من تلقاء أنفسهم يربطون الحديث بالأمر الذي يعانونه أو بطريقة غير مباشرة بربطها بالقصص القرآني وأحداث التاريخ0



6- خطيب المسجد على أى حال يجب أن يكون له تركيز على أمرين :



الأمر الأول: أن يتناول حديثه سلوك الأفراد وما يجب أن يتخلق به كل شخص في عمله الخاص وعلاقاته بالناس طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية فهو مرشد و معلم وهو يدرك أثر الأعمال الفردية في حياة المجتمعات فإذا استطاع أن يؤثر في بعض الأفراد فان كل واحد منهم سيترك بدوره أثرا في مجتمعه .



الأمر الثاني : أن يمد سامعيه بمعلومات بحيث يخرج المستمع وقد زادت معلوماته شيئا جديدا وهى في الواقع ليست إلا حججا للمبدأ الذي دعا إليه وهذه الأدلة والحجج هي التي تجعل معاني الخطبة ومبادئها أبقى في ذهن السامعين أما الخطبة التي تقوم على الإثارة وحدها فقد تنجح في استجابة وقتية ولكنها تنسى سريعا ولا يبقى لها أثر فعال في نفوس السامعين فلابد للخطيب الذي يحترم نفسه ويقدر واجبه أن يعرف هدف ما سيقول ومدي حاجة الناس له0



ثانيا- جمع المعلومات



النحلة تمتص مليونا من الزهور من أجل أن تعطينا مائة جرام من العسل



ثم هي تختار هذه المليون من بين أطيب الزهور فلا تقع إلا علي الطيب من الزهر الزكي منه ولا تمتص ابدآ زهرا ساما ولا كريها!



وهذه المليون تدل علي الكثرة والوفرة وهي من شروط الانتقاء الجيد حيث يكون هناك مجال واسع للاختيار وكما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده أن مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا ووقعت فلم تكسر ولم تفسد ) رواه احمد(6833)0



فمسؤلية الخطيب تفرض عليه تمثل هذا الدور ليسرح في بطون الكتب ومشاهد الطبيعة يقرأ ويتفكر ويعمل ليخرج للناس شرابا طهورا وحتى تجيد الانتقاء لا تترك الدرر التي تلقاها متناثرة في طيات الكتب أو في الدوريات مثل الجرائد والمجلات بل اجمعها واقتنيها واجعل لها عنوانا في أرشيفك الخاص .



انتق من القرآن المحكم القطعي الدلالة0



القرآن بالنسبة للخطيب حجته التي لا تضل وبينته التي لا تزول ورايته التي لا تتواري يعطيه طلاوة وحلاوة ويزيده بهاء ووضاءة ويمنحه إقناعا وهداية وأتباعا 00 لسان من لا لسان له و فصاحة من لا فصاحة عنده



إن للمتحدث مع القرآن لشأن فلابد أن يحسن صحبة القرآن لكي يكون مؤثرا



فكم من مرة قرأت آيات فوجدت لها وقعا آخر غير المرات السابقة كما حدث لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عندما سمع ( الطور:1-



فغشي عليه0 فستمر عليك آيات تشعر فيها شعور عمر فلتسجلها ولتسجل انطباعك نحوها وضع لها عنوانا مناسبا وكم من خاطرة مرت عليك أو قالها غيرك ولكنها فقدت لعدم تسجيلها



وها هو مالك بن دينار ينادي خطباء الأمة ( ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن!!) فهو مصدرك الأساسي والأول والأكبر ( فصلت : 46)



أ‌- اجمع الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بهذا الموضوع واستعن في ذلك بالمعاجم المفهرسة لألفاظ القرآن الكريم وموضوعاته وأهمها الكتاب القيم للمرحوم الشيخ / محمد فؤاد عبد الباقي المسمي : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم فقد جمع لك كل مادة وجميع الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ بجميع اشتقاقاته وأحواله الإعرابية المختلفة وكذلك كتاب الأستاذ الدكتور / عبد الصبور مرزوق واسمه معجم الموضوعات والأعلام في القرآن الكريم وأيضا الكشاف الموضوعي للأستاذة / زينب عطية محمد0ومن تيسير الله توافر الاسطوانات المدمجة المستخدمة في الحاسب الآلي والمحتوية علي القرآن الكريم كاملا – مقروءا ومسموعا – مع إمكانية البحث والفهرسة .



ب‌- اقرأ واجمع تفسير هذه الآيات وشرحها وأسباب نزولها من كتب التفسير المختلفة شريطة ألا يقل عددها عن ثلاثة بعيدا عن الإسرائيليات والخرافات التي امتلأت بها بطون بعض الكتب .



ت‌- ارجع إلي السنة النبوية المطهرة فهي الشارحة للقرآن الكريم الموضحة لمبهمه المفصلة لمجمله المقيدة لمطلقه. واجمع الأحاديث النبوية المتعلقة بهذا الموضوع واستعن في ذلك بالمعاجم المفهرسة للحديث النبوي والجامع الصغير للسيوطي وكذلك الفتح الكبير وكشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث علي ألسنة الناس ومفتاح كنوز السنة ترجمة محمد فؤاد عبدا لباقي وسائر كتب الحديث النبوي كالمسانيد والصحاح والسنن . وضرورة الاعتماد علي الحديث الصحيح أو الحسن مبتعدا عن الحديث الضعيف إلا في بعض المواطن وبالشروط التي وضعها علماء الحديث



وتذكر دائما أن:



في الصحيح غني عن الضعيف والموضوع ليس من الدين



ث‌- اقرأ شروح الأحاديث المجمعة بعد تخريجها وتوثيقها وضبطها وتحقيقها وقف علي معاني الألفاظ الغريبة وملابسات ورود الحديث ورواياته الأخرى وزياداته إن وجد وطالع ترجمة الراوي وقف علي فوائده الدعوية والتربوية والحركية .



ج‌- اطلع علي أقوال الفقهاء المتعلقة بهذا الموضوع مستعينا في ذلك بكتب الفقه وفهارسها ومنها. معجم الفقه الحنبلي – وهو مستخلص من كتاب المغني لابن قدامه –الموسوعة الفقهية في الكويت ومصر وسوريا – فهرس جواهر الإكليل – فقه مالكي – فهرس حاشية ابن عابدين – فقه حنفي .



ح‌- قم بجولة فكرية وعلمية لمطالعة الكتب المتعلقة بموضوع خطبتك أو درسك سواء أكانت كتبا مفردة لهذا الموضوع أم كانت تتناوله بصورة جزئية في إطار موضوع أكبر ويعينك علي ذلك ثقافتك الواسعة ومعرفتك بأسماء الكتب ومحتوياتها



· زياراتك المتعددة للمكتبات العامة والمكتبات الملحقة بالمساجد الكبرى وكذلك مكتبات الكليات الأزهرية لمطالعة كتبها



· سؤال كبار العلماء و الشيوخ ومن تثق بحسن اطلاعه وكثرة معارفه من زملائك



· ابتعد تماما عن الكتب المعروفة بإيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة والحكايات والأساطير الخرافية مثل : كتاب تنبيه الغافلين ؛ وكتاب نزهة المجالس 00وغيرهما



· إذا كان موضوعك سيتطرق بك إلي جوانب علمية ، فعليك أن تبحث عن هذه الجوانب في مصادرها الأصلية وترجع إلي أهل الاختصاص في هذا العلم وقم بتوثيق المعلومات الجغرافية والتاريخية والطبية ، حتى تظهر للناس شمولية الإسلام من ناحية ودقة وحيوية دعاته من ناحية أخري



· الأمر ذاته مطلوب في حالة اشتمال الخطبة أو الدرس علي إحصائيات وأرقام في أي مجال ؛ إذ لابد من الدقة و الاستيثاق ، فهذا يمنحك ثقة غير محدودة ، وقوة تدفع المستمعين إلي الاقتناع المطلق والتسليم التام0



· أذكرك أن لا تهمل قراءة جزئية أو معلومة ما في الموضوع ، بدعوي أنك لن تتناولها في خطبتك ، فانه ليس كل ما يقرأ يقال ، وربما احتجت إليها في موضع آخر ، ولأن الإحاطة بكافة جوانب الموضوع – قدر المستطاع تمنحك ثقة كبيرة وقوة هائلة .



· أوصيك ببدء الإعداد و التحضير لخطبتك أو درسك قبل إلقائهما بمدة كافية ، حتى تتاح لك الفرصة للقراءة والاطلاع الواسع ، والإبحار في المصادر والمراجع0



خ‌- اجمع الأشعار والحكم و المواعظ والأمثال المتعلقة بالموضوع واختيار المناسب منها لاستخدامها في الخطبة0



د‌- الاطلاع علي كتب السير والتاريخ والتراجم وجمع المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع0